روايات شيقهرواية العازف

نوفيلا العازف للكاتبة شاهندة الفصل الأول

تقديم الرواية

هل سمعتن يوما عن سحر يجعل الدنيا في عيونكن أكثر اشراقا؟ عن نيران تشعل الجسد فيرحب باحتراقه؟ هل سمعتن عن نغمات تجعل الروح ترقص وتشعر بضمة الألحان؟ ترى هل هذا هو الحب الذي انتظرته طويلا؟
قابلته بحفل عيد الحب فجذبتها هالته الغامضة لتوقن من أنه أمير أحلامها حتى ظهر أمير آخر بالجوار، ترى أي الأميرين ستختار سندريلا هذا الزمان؟

صديقاتي العزيزات
هل سمعتن يوما عن سحر يجعل الدنيا في عيونكن أكثر إشراقا؟ عن وهج يجعل القلب ينبض بحروف ملونة ويخفق بصخب؟ عن نيران تشعل الجسد فيرحب بإحتراقه؟ هل سمعتن عن نغمات تجعل الروح ترقص وتشعر بضمة الألحان؟ ترى هل هذا هو الحب الذي انتظرته طول الزمان؟
أتمنى لو كان…
فما شعرت به اليوم كان شيء خيالي ظننته حلما بعيد المنال فصار بالإمكان. أتتذكرن هذا الحلم الخيالي الذي لطالما راودني؟ أن أكون سندريلا هذا الزمان، أذهب إلى حفل فأقابل أميري، نرقص ونرقص وقبل ان اخبره اسمي تدق الساعة معلنة منتصف الليل فأجري مخلفة ورائي حذائي السحري ليقلب المملكة ويقعدها حتى يجدني ثم نعيش السعادة إلى الأبد. هذا ماحدث بالفعل ولكن في حكايتي تبدلت الأدوار.

الفصل الاول

لا.
اتسعت عينا بسمة بقوة قائلة باستنكار: كيف يمكن أن يحدث هذا؟ لابد وأنني قد ذكرته لك ذات مرة…
قاطعتها احلام قائلة بلهفة: لا لم تفعلي أو ربما فعلتي وكنت مشغولة البال، حذرتك كثيرا من الحديث معي حين أكون منغمسة في قراءة احدي رواياتي الرومانسية، أخبرتك مرارا وتكرارا أنني أنفصل عن الواقع وأعيش حرفيا بداخل الرواية. أنا لم أسمع عن العازف المقنع سابقا فهيا تحدثي على الفور. لقد أثرت فضولي.

إنه العازف الأشهر بمدينتنا. لا أحد يعلم عنه أي شيء حتى إسمه. فقط مهارته بالعزف. إنه رجل غامض لا يحضر سوي الحفلات التي يرتدي أصحابها الأقنعة ولا يزيل القناع مطلقا، قليل الكلام وسيم وجذاب وعزفه أسطوري.
مطت احلام شفتيها قائلة بحيرة: ماالذي يخفيه خلف القناع ياتري؟ ولماذا لا ينزعه عنه مطلقا؟
بعض الإشاعات تقول أنه يخفى وجها مشوها.
لا أظن ذلك. ربما هو يحب الغموض. يراه أحد العوامل التي تجذب الجمهور إليه.

أخبرتك أنه عازف ماهر، الأفضل على الإطلاق. انه لا يحتاج إلى جذب الجمهور إليه فهم منجذبون إليه بالفعل كما تنجذب الفراشات للنار.
ستحرقهم إذا.
مرحبا بلهيبه ان منحنا فقط فرصة. فرصة واحدة للتعرف إليه. أتعلمين؟ انه لا يتحدث أبدا مع معجباته، مجرد مجاملات بسيطة. يعزف مقطوعته ثم يتحدث قليلا مع فرقته وبالنهاية يغادر مخلفا وراءه قلوب العذراوات وقد أنهكها الاشتياق لصحبته واهتمامه.

غريب أمره، حسنا سأنتظر لأراه وأشبع فضولي ثم نغادر على الفور. اتفقنا؟
بكل تأكيد. رغم أنني أراهن انك لن تغادرين الحفل قبل رحيله عنها. كل الفتيات يفعلن ذلك.
كادت أحلام ان تقول شيئا ولكنها تراجعت تغلق ثغرها وتنتظر وصول العازف لترى ماالذي يجعل الفتيات منجذبات إليه هكذا؟ غموضه أم عزفه الرائع كما أخبرتها صديقتها بسمة؟

تبا. الساعة قاربت منتصف الليل ولم يظهر هذا العازف بعد، يلاحقها الرجال فتلقي عليهم نظرة واحدة ثم تشيح بوجهها. لا تريد رجلا عاديا. تريده خاطفا للأنفاس يجعلها تدرك من أول لحظة أنه هو ذاك. فارسها المنتظر.
ربما عليها المغادرة وإشباع فضولها في يوم آخر، تري إلى أين ذهبت بسمة؟ ستتصل بها وتخيرها إما أن ترحل معها او تسبقها هي إلى المنزل.

أمسكت هاتفها تبحث عن رقم بسمة حين تناهي إلى مسامعها بعض الشهقات والصيحات رفعت وجهها لترى مايحدث فرأت رجل طويل القامة لايظهر منه غير شعره الأسود ويد تمسك الكمان تخفين ملامحه عنها بضع فتيات تجمعن حوله، أدركت انه العازف الغامض، ومن غيره قد يحوز على كل هذا الاهتمام؟ إشرأبت بعنقها تحاول أن تراه فلم تستطع. أصابها الإحباط وكادت ان تذهب إليه بدورها ولكنها أبت ان تنضم إليهن وتبدي اهتماما سخيفا برجل لا تعرف عنه شيئا فلم تبدي يوما اهتماما بالغرباء تعيش في عالم خيالي تنتظر فيه فارسا يخطفها منه إلى عالمه هو فيصنعا منه جنتهما على الأرض.

انفض الجميع من حوله يتسارعون إلى أماكنهم أمام الفرقة يتسابقن ليكن بالمقدمة بينما يتقدمهن هو فتراه للمرة الأولى، هالة أحاطته سحبت أنفاسها حرفيا يميزه جسده الطويل الرشيق و خطواته الهادئة إلى جانب نظراته الثاقبة من تحت قناع قد يخفى ملامحه عنها ولكنها لسبب ما تشعر بأنها تراه. اقترب منها فتسارعت خفقاتها، أرادته أن يلاحظها. يقترب منها ويخصها بابتسامة، هي جميلة للغاية تعلم ذلك جيدا، أخذت فتنتها من جدتها تركية الأصل. شعر بني ناعم وعيون رمادية رائعة وبشرة بيضاء كبشرة الأطفال، وجهها مستدير بينما يحمل ذقنها نغزة رقيقة وجسدها الرشيق يبرز من خلال فستان إستعارته من صديقتها و اختارته بعناية لحضور الحفل. اعتلت وجهها ابتسامة رقيقة حين أصبح أمامها فلم يعيرها اهتماما وهو يمر جوارها متجاهلا إياها. استدارت تطالعه بابتسامة قد خبت وتبدلت بفم فاغر ببلاهة. كيف يتجاهلها هكذا وهي التي لم يتجاهلها شاب من قبل؟ صفعة مؤلمة لكبريائها أم لنقل. غرورها؟ ربما أصابها الغرور حقا وظنت أن لا رجل حصين أمام جمالها فوجدت هذا الرجل في آخر الأمر. هل ستصبح عانسا حقا كما تنبأت لها والدتها من كثرة اعتراضها على المتقدمين لخطبتها أم سينتهي بها الأمر زوجة لابن عمها الأحمق؟

صوت موسيقى الكمان تسلل إلى مسامعها فأخرجها من أفكارها، رفعت عيونها إليه لتراه واقفا تحيطه تلك الهالة المميزة، يمسك آلته ويعزف عليها مغمض العينان وكأن لا أحد حوله. موسيقاه رائعة حقا اندمجت مع نبضاتها وأطربت أذنيها فوجدت نفسها تجلس مجددا في صمت مهيب سيطر عليها و على الجميع بينما يتسلل إلى مسامعهم ذلك اللحن الجميل، ينخفض تارة ثم يشتعل تارة أخرى فتشتعل مشاعرهم وتحترق الأرواح بلهيب الحب والسعادة والاشتياق. ماأروع ألحان جسدت كل المشاعر الإنسانية في لحظات، أرسلت أحلام كغيرها من الحضور في رحلة قصيرة إلى الجنة ثم أعادتهم حين انتهى عزفه. إنطلقت الجماهير تصفق بقوة وتشعل القاعة بالحماس مطالبين إياه بمعزوفة أخري، انحني قليلا تحية لهم ثم بدأ العزف مجددا بقطعة أخرى وجدت أحلام نفسها تعرفها جيدا، انها معزوفتها المفضلة للعازف الرائع نيكوس (Secret love) أثارت مشاعرها بالكامل كما أثارت الجميع وتغلغلت في أرواحهم. انتهى فانضمت أحلام إلى الحضور، تصفق بقوة. طالبته الجماهير بمعزوفة أخرى فاعتذر بلطف يطالبهم ببعض الوقت كي يرتاح، صوته كعزفه تماما نبراته شجية تشعل المشاعر، جلس على كرسي جوار الفرقة بينما صعدت إليه الفتيات يطلبن توقيعه، مالت عليه فتاة تهمس اليه ببضع كلمات فابتسم يرد عليها بلطف. شعور غريب اجتاحها، غصة احتارت في أمرها، ودت لو ذهبت إلى هناك وابعدت تلك الفتاة تمسح عنه هذه الابتسامة وتعيد ملامحه هادئة، وجدت نفسها دون إرادة منها تخطو تجاهه، حذرها عقلها كثيرا، أخبرها أن تمكث مكانها. صرخ بقوة.

إلى أين تذهبين أيتها المجنونة؟ وماذا تريدين منه؟
لم تعره اهتماما بينما وقفت أمام العازف بثبات فرأته يطالعها بنظرة حبست أنفاسها، يركز كل انتباهه عليها حتى أن الفتيات حوله تطلعن إليها بدورهن. كادت ان تموت خجلا. أرادت العودة إلى مكانها أو مغادرة الحفل كله ولكن وجدت قدميها تتسمران في الأرض، عيونها تعلقت بخاصته. تكاد تقسم أنه ينتظر منها شيء ما. ربما كلمة، أو…

مدت يدها إليه في دعوة صامته منها للرقص، حمقاء تدعي جرأة لا تملكها، يخرج منها هذا العازف امرأة تكاد لا تعرفها، توقعت أن يشيح عنها بوجهه، يقضي على الباقي من كرامتها لكن لصدمتها وجدته ينهض ويأخذ بيدها، شعرت بتيار كهربي يسري بجسدها كاملا، كان يقودها تجاه حلبة الرقص بينما تتبعه دون ارادة منها، توقف وأشار للفرقة ان تعزف يضع يده على خصرها بينما احتوت اليد الأخري يدها، علا صوت الموسيقى فوجدته يدور بها في الأرجاء، لم تشعر بنظرات الناس حولها، كانت أسيرة لعينيه السوداويتين اللتان طالعتاها بنظرة سحرتها، تنفست عطره، شعرت بها تتغلغل في ثناياها كأنها لا تكتفي منها أبدا، لفحتها أنفاسه الساخنة، رفرفت الفراشات من حولها، أرادت ان تميل برأسها وتضعها على خافقه تصغي لنبضات قلبه، لم تكن تعلم أنها حققت رغبتها الا حين تناهي إلى مسامعها صوت خفقاته المتسارعة، لم تستطع الإبتعاد. تنهدت تغمض عيناها تشعر بأنها في الجنة. وجدته يبتعد عنها، ارتباك أصابها وهي لا تدري سر ابتعاده لتدرك فجأة أن الموسيقى توقفت، انتابها خجل شديد وهي تري لأول مرة نظرات الجميع إليها، جمعت مابين اندهاش وغيرة وحقد. أحنى رأسه إليها قليلا ثم ذهب باتجاه كمانه يأخذه ويغادر غير آبها بأحد تاركا إياها بمنتصف القاعة تتطلع حولها لا تدري ماأصابها ولماذا رحل دون كلمة؟ لقد أرادت ان تعرف اسمه. أن يحدثها على الأقل، لقد أهانها بتجاهله إياها أمام الجميع. أو ربما لم تعني هي له شيئا.

أعلنت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل لتتمالك نفسها وتسرع إلى طاولتها تأخذ حقيبتها وتغادر بسرعة إلى منزلها، تحاول لملمة مشاعرها التي تبعثرت اليوم بشدة على عكس المتوقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى